رصاصة الدعفيس تقتل مرتين.. الجسد والقيم
السبت 16 أبريل 2016

رواية محمد تركي الدعفيس “الرصاصة تقتل مرتين” انضمت إلى الروايات التي تناولت الأزمة السورية منذ اندلاعها العام 2011، مع تعمد الروائي سحب القارئ ووضعه مكان الضحية.
الروائي إلى جانب تأريخه للحالة السورية ومعايشته لها، أو نقلها عن أناس، تكلم في الرواية عن وجعهم بشكل واضح من خلال رصد انفعالاتهم وزفراتهم المخنوقة بالتلميح تارة، وبالتصريح تارة أخرى.
في العتبة الأولى لرواية “الرصاصة تقتل مرتين”، وهي العنوان، أكد على أن الرصاص كان أداة إنهاء الحياة للكائنات، ثم اختصته البشرية لاغتيال الإنسان الذي كرمه خالقه ووهبه العقل وميزه عن غيره من الكائنات.
الرصاصة في الوعي الجمعي تسرد للمرء سيرة الإعدام الفردي، لكن الكاتب في روايته حمّلها وزر القتل مرتين، قتل الإنسان ليعود لسيرته الأولى – التراب – وقتل القيم وأهمها التسامح، ليصبح الموت حالة مستدامة كأنما هي الحالة الاعتيادية.
وفي الغلاف “الإطار” يدل على الوطن الذي غادره المغدور ليبقى خيالا في بقايا ذواكر الناس الممزقة، وفي الجزء الثاني من الغلاف رسم بقايا ظُلمة تحاصر القاتل وتطارده أنّى حل جرّاء سوء فعلته، وهنا إشارة تدلل بشكل واضح على تعطل العقل، وأشار في الكرسي المتحرك إلى الإعاقة التي تحدثها رصاصة الأخ للأخ، في حوار بين النظر وتداعيات الهزيمة من الذات والمكان.
وتحفل الرواية بالبكائيات، ففي البكائية الأولى التي تمثلت في الإهداء “إلى كل الضحايا ـ دمشق 2015” ينزع الكاتب نحو الإنسانية المطلقة، في مقولته، ترتعش حروفه وتنز كلماته خوفاً ووجعاً، جرّاء الفقد الإنساني الممنهج الذي تغلفه المصالح، والمرسوم بعناية، فالضحية ليست التي زُهقت روحها، بل الأحياء الأموات الذين ضيّق الخوف والحصار والجوع المدى الواسع عليهم.
في البكائية الثانية يرسل الكاتب عدة تساؤلات مقلقة عن زمن موغل في الوجع والسكون والكسر، ويدلل على مقاربة للسجن الافتراضي - الغرفة - والتأكيد على الظلمة والتوقف عن الحركة والركض اتجاه اليأس.
“دخان السجائر الست يخنق الغرفة، وأجدني كسولاً حتى عن فتح النافذة، الآن أتذكر أن للغرفة نافذة، وأنني دفنتها منذ حين خلف ستارة نصف شفافة، وأخرى تكتم الضوء، تنفذ فيه حكم الإعدام كلما شاءت”.
المونولوج الداخلي للسارد يكسر الرتابة، يفر من بعضه الموجوعة إلى بعضه السابحة باليأس يجتر دفلى التساؤل، فهو يقول: “أفكر.. لو كنا نفهم شكوى أعضائنا، هل تراها كانت ستشتكي لنا أم منا؟ هل تثق بنا؟ وحين نتركها ذات يوم خلفنا، حتى لو كنا مرغمين، ألا تشعر بالغضب حيالنا؟.
أجزم أنها تفعل، لا أحد يُحب أن يبقى مرمياً على قارعة الطريق.. حتى الأحلام تغضب إن تركناها؟
وفي رؤية أشد قتامة يصرخ صوته الداخلي قائلاً: “المسافة بين اليوم والأمس تبدو بعيدة جداً” ويرصد الحاجة التي يستدعي منه الركض المتواصل.
“كنا نهرول كثيراً.. خلف السيارة.. خلف رغيف الخبز.. خلف فرصة عمل.. خلف مقعد في الجامعة.. سرير في غرفة جامعية.. أو سرير في مستشفى.. أتراهم كانوا يجبروننا على ذلك حتى لا نتوقف عن اللهاث؟.. لعلهم كانوا يعرفون أن مجرد التوقف يتيح لنا فرصة لأن نفكر، انتبه فجأة: يا إلهي كم كان تفكيرنا يرعبهم؟!”.
هذا الإيجاز الذي سرده الراوي يختزل رؤية المُسْتَغِل الدميمة التي تزرع الخوف في كل من يحاول أن يفكر.
وركز الروائي على ذكر تفاصيل حياتية غاية في الدقة من خلال حوارات الحلم بين فتاتين وتأكيدهن على أن الحرب لم تهدر الأحلام بل والذكريات أيضاً، وتصوير حالة القصف وتداعياتها على الأطفال، وفرزت النفوس المريضة التي تتاجر بكل شيء على مبدأ” اللهم أسألك نفسي” وبينت معادنهم، ورصد قلق الناس أثناء خروجهم وسفرهم الذي يتنامى في كل ثانية، مخافة ألا يعودوا وتكون نهايتهم على الطرقات من قذيفة طائشة ظلت طريقها.
خلف عامر

http://www.albiladpress.com/article330379-4.html
لا توجد تعليقات